ثم قال -جل وعلا-: وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ </A> أي: أنه هذه البحار يفجر بعضها على بعض، وتكون شيئا واحدا، فيختلف نظامها عن نظام الدنيا، وقد تقدم لنا قريبا.
ثم قال -جل وعلا-: وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ </A> أي: إذا القبور بحثت، ورفع عنها التراب؛ ليخرج منها العباد إلى الله -جل وعلا-.
قال الله -جل وعلا-: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ </A> وهو معنى قوله -جل وعلا-: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ </A> ثم قال -جل وعلا- على سبيل التهديد: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ </A> يعني: يا أيها الإنسان ما الذي خدعك بربك الكريم؟؛ لأن العبد لما رأى كرم الله -جل وعلا- عليه، وهو العبد الكافر، وأفاض النعم عليه أمن من مكر الله -جل وعلا-، واعتقد أن ذلك من رضا الله -جل وعلا-، أو أنه لا يكون على حاله شيء يغيرها بعد ذلك، فلما لم يعاجله الله -جل وعلا- بالعقوبة، بسبب كفره بالله -جل وعلا-، تمادى وانخدع، واستمر في كفره بالله -جل وعلا-.
والله -جل وعلا- وصف نفسه بأنه كريم، وهذا الوصف قال بعض العلماء: إنه يقتضي، أو فيه إشارة إلى أن سبب اغترار هذا العبد سببه كرم الله -جل وعلا-؛ لأن من كرم الله -جل وعلا- أن أكثر للعبد الخيرات، وأمده بها، ولم يقطعها عنه، ومن كرمه أن أعطاه هذه الخيرات بلا سبب منه، وأعطاه هذه الخيرات بلا عوض، وأعطاه هذه الخيرات وهو مقيم على معصيته، وذلك كله كرم من الله -جل وعلا-، فغر الإنسانَ هذا الكرم من الله -جل وعلا-.
والآية فيها التحذير من الاغترار بالله -جل وعلا-؛ لأن الانخداع بما يعطيه الله -جل وعلا- لعبده من النعم هذا من أعظم المكر بالعبد؛ لأن العبد إذا كان مقيما على معصية الله، والنعم تغدق عليه فإن هذا استدراج له، والمؤمن لا يأمن مكر الله -جل وعلا-؛ لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
ثم قال -جل وعلا-: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ </A> أي: إن الأبرار لفي خير وسعة ونعمة كثيرة، وهذه النعم التي لأهل الجنة كثيرة جدا؛ بينها الله -جل وعلا- في ذكر أوصاف أهل الجنة، وفي ذكر وصف الجنة، وأعلى ذلك النعيم: النظر إلى وجه الله -جل وعلا-.
ثم قال -جل وعلا-: يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا </A> يعني: أن كل نفس لا تملك للنفس الأخرى شيئا، لا تستطيع أن تقدم لها شيئا تدفع به عن نفسها العذاب، أو تزيد من صالحاتها؛ لأن كل نفس حينئذ مشغولة بنفسها.