أما الحديث الوارد في سورة التين، فهذا حديث ضعيف لا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما نص على ذلك كثير من العلماء.
وهذه السورة، سورة القلم سورة افتتح الله -جل وعلا- بصدرها الوحي على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وذلك أن الله -جل وعلا- لما أراد أن يوحي إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- بعث جبريل -عليه السلام- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتعبد في غار حراء، فلما جاءه الملك، قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ … </A> .
ولهذا ذهب جماهير العلماء إلى أن هذه السورة هي التي نبئ بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي أول ما أوحي إليه -عليه الصلاة والسلام-. وأما سورة المدثر، أو أوائل المدثر، فإنه يتبع ذلك كما فصله حديث جابر في صحيح البخاري.
قال العلماء: إن المقروء إما أن يكون مقروء عن كتابة، وإما أن يكون مقروء عن تلاوة، فإذا لقَّنَه جبريل، وقرأ يسمى قارئا، وإذا قرأ من كتاب، فإنه يسمى قارئا، والمنفي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون قارئًا من كتاب أو كاتبًا في كتاب.
أما كونه -صلى الله عليه وسلم- يقرأ من تعليم جبريل له -عليه الصلاة والسلام- فإن هذا لا مانع منه، بل ذكره الله -جل وعلا- في كتابه: سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى </A> يعني: نجعلك قارئًا.
وقوله جل وعلا: بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ </A> أي: مستعينًا باسم ربك الذي خلق، وإنما جعلت الباء هاهنا للاستعانة؛ لأن الاستعانة من معاني الربوبية. والله -جل وعلا- قال: بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ </A> وهنا حذف -جل وعلا- المفعول، ما قال: خلق الناس، أو خلق الخلق، حذف المفعول؛ ليعم من سوى الله -جل وعلا- فكل من سوى الله فهو مخلوق يعني الذي خلق الخلق أجمعين.
ثم قال جل وعلا: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ </A> لما عمم جل وعلا أنه خلق الخلق كلهم خصَّص بخلق الإنسان، وهذا التخصيص التمس العلماء حكمته فظهر لهم أنه خصص الإنسان لشرفه وكرامته، كما قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ </A> ثم إنه خصه بالذكر هاهنا؛ لأن المنبأ، وهو النبي -صلى الله عليه وسلم- من جنس الإنسان، ليس من الأجناس الأخرى، ليس من الملائكة، وليس من غيرهم، وإنما هو من الإنسان، فلما كان المنبأ، وهو النبي -صلى الله عليه وسلم- من الإنسان ذكر الله -جل وعلا- خلق الإنسان خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ </A> والعلق هو الدم الجامد كما تقدم.
فلما قال -صلى الله عليه وسلم-: ما أنا بقارئ </A> قال الله -جل وعلا-: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ </A> لأن الله -جل وعلا- هو الذي يفتح على خلقه، ويوسع لهم بالخير، ومن ذلك أن يتعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- القراءة من جبريل، وأن يتعلم هذا المقروء، وهو القرآن، وهو الذي فيه خير للنبي -صلى الله عليه وسلم- وخير لأمته.
ثم قال جل وعلا: الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ </A> وهذه صفة للرحمن فهو الذي علم بالقلم، يعني: علم الناس الخط بالقلم، فهو -جل وعلا- قد امتن عليهم بتعليمهم الكتابة بالقلم، كما مَنَّ جل وعلا عليهم أن علمهم النطق باللفظ، فهناك بيان النطق، وبيان الخط، أو بيان اللفظ، وبيان الرسم، وكلاهما امتن الله -جل وعلا- بهما على هذه الأمة.
وذكر الله -جل وعلا- هاهنا القلم؛ لأن الله -جل وعلا- لو لم يعلم الخلقَ الكتابة بهذا القلم؛ لحصل عندهم خلط كثير؛ لأن الإنسان ينسى، ولكن جعل في هذا القلم ما تضبط به وصايا الناس، وتضبط به شهاداتهم، وتضبط به حساباتهم، وتضبط به كثير من أمورهم التي لولا الله -جل وعلا- خلق هذا القلم لحصل عندهم فيها خلط عظيم، وعاد عليهم ذلك بالضرر؛ لأن الإنسان لو كان القلم غير موجود، وكانت هناك شركة، وعندها حسابات، ماذا يصنع؟ لا يعتمد على الحفظ؛ لأن الحفظ خوان، ولكن الله -جل وعلا- خلق هذا القلم وفيه منافع عظيمة للعباد.
ثم قال جل وعلا: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى </A> يعني أرأيت الإنسان الكافر إذا نهى عبدًا مسلمًا عن الصلاة، وقوله: أَرَأَيْتَ </A> يعني: أخبرني، فهذا استفهام لا يحتاج إلى جواب؛ لأن من نهى مسلمًا عن الصلاة عذَّبه الله جل وعلا.
والمراد بهذا عند جمهور المفسرين هو أبو جهل؛ لأنه كان يتهدد النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول: "لئن رأيت محمدًا يعفر وجهه بالتراب يعني: في الصلاة عند البيت لأطأن على عنقه".
ثم قال جل وعلا: أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى </A> يعني: أرأيت هذا الكافر إن كذب بآيات الله وتولى وأعرض عنها أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى </A> يعني: هذا الكافر ألا يعلم أن الله -جل وعلا- مُطلع عليه، وهو يتهدد هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه سيطأ عنقه إن سجد لله -جل وعلا- وصلى.
والناصية هو الشعر الذي يكون في مقدمة الشعر يعني: أن هذا الكافر سَيُجَرُّ ويُجْذَب من مقدم رأسه، ويلقى في النار، كما قال الله -جل وعلا-: فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ </A> يعني: تجمع أقدامهم إلى نواصيهم، ثم يلقون في النار، ثم قال جل وعلا: نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ </A> وصف الله -جل وعلا- هذه الناصية التي يأخذها الله -جل وعلا- ويعذبها بأنها كاذبة.
ووصف الله -جل وعلا- هذه الناصية بأنها كاذبة ثم قال: كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ </A> عندنا خطيئة وخطأ، وبينهما فرق، فالخطيئة هي الإثم، وهذه الناصية أو هذا الكافر خاطئ، يعني: أنه مذنب وآثم بعد علمه؛ لأنه تليت عليه آيات الله عز وجل ودُعِي إلى الإسلام، ورأى آيات الله -جل وعلا- ولكنه أصر واستكبر على كفره فلذلك كان خاطئًا، كما قال الله -جل وعلا- عن قوم نوح: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا </A> .
فالخطأ مرفوع لا يُعَاقَب صاحبه. وأما الخطيئة فصاحبها مُعَاقَب لكن إذا أخطأ الإنسان في دين الله، فعلم خطأه، فأصر عليه صار فعله حينئذ خطيئة؛ لأن الخطأ قد ينقلب خطيئة بالإصرار عليه، ولهذا لا يكون هناك تعارض كما يتوهمه بعض الناس بين قوله جل وعلا: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ </A> وبين هذه الآية؛ لأن هذه في الآثم المتعمد، أما تلك فمن وقع منه فعل على غير عمد منه.
ثم قال جل وعلا: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ </A> يعني: يدعو أهل مجلسه الذين كانوا يجالسونه في الدنيا؛ لأن الكفار كانت لهم نواد يجلسون فيها ويجتمعون ويصنعون فيها القمار والميسر، ويشربون فيها الخمور، هذه كانت نوادي لهم، يقول الله -جل وعلا- له يوم القيامة: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ </A> إذا جاء يوم القيامة فليدع أصحابه هؤلاء؛ ليدفعوا عنه من عذاب الله شيئًا.
قال الله -عز وجل- سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ </A> والزبانية جمع زابن، وهم الملائكة الغلاظ الشداد الذين أعدهم الله -جل وعلا- لتعذيب من يستحق العذاب في النار، ثم قال جل وعلا: كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ </A> أي: لا تطع هذا الكافر فيما يقول، ولا تلتفت إليه، ولكن اسجد لله -جل وعلا- وتقرب إلى ربك -جل وعلا- بأنواع العبادات، ومن أعظمها السجود؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد </A> .
احلى بنت في الوجود
المساهمات : 11 تاريخ التسجيل : 10/10/2009
موضوع: رد: تفسير سوره العلق الأحد نوفمبر 15, 2009 11:07 am
تشكري اخيتي على الطرح الرائع
حلى يذهب البلى
المساهمات : 85 تاريخ التسجيل : 05/10/2009
موضوع: رد: تفسير سوره العلق الأحد نوفمبر 15, 2009 4:40 pm